الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* لِقَوْلِهِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى الْآيَةَ الشرح: قوله: (باب المنان بما أعطى، لقوله تعالى ومناسبة الآية للترجمة واضحة من جهة أن النفقة في سبيل الله لما كان المان بها مذموما كان ذم المعطي في غيرها من باب الأولى. قال القرطبي: المن غالبا يقع من البخيل والمعجب، فالبخيل تعظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها، والمعجب يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة وأنه منعم بماله على المعطي وإن كان أفضل منه في نفس الأمر، وموجب ذلك كله الجهل ونسيان نعمة الله فيما أنعم به عليه، ولو نظر مصيره لعلم أن المنة للآخذ لما يترتب له من الفوائد. *3* الشرح: قوله: (باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها) ذكر فيه حديث عقبة بن الحارث " صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم العصر فأسرع، ثم دخل البيت " الحديث وفيه " كنت خلفت في البيت تبرا من الصدقة فكرهت أن أبيته فقسمته " قال ابن بطال: فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به، فإن الآفات تعرض والموانع تمنع والموت لا يؤمن والتسويف غير محمود، زاد غيره: وهو أخلص للذمة وأنفى للحاجة وأبعد من المطل المذموم وأرضى للرب وأمحى للذنب. وقد تقدمت بقية فوائده في أواخر صفة الصلاة. وقال الزين بن المنير: ترجم المصنف بالاستحباب وكان يمكن أن يقول كراهة تبييت الصدقة لأن الكراهة صريحة في الخبر، واستحباب التعجيل مستنبط من قرائن سياق الخبر حيث أسرع في الدخول والقسمة، فجرى على عادته في إيثار الأخفى على الأجلى. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ قَالَ صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ فَأَسْرَعَ ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ فَقُلْتُ أَوْ قِيلَ لَهُ فَقَالَ كُنْتُ خَلَّفْتُ فِي الْبَيْتِ تِبْرًا مِنْ الصَّدَقَةِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُبَيِّتَهُ فَقَسَمْتُهُ الشرح: قوله: (أن أبيته) أي أتركه حتى يدخل عليه الليل، يقال بات الرجل دخل في الليل، وبيته تركه حتى دخل الليل. *3* الشرح: قوله: (باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها) قال الزين بن المنير يجتمع التحريض والشفاعة في أن كلا منهما إيصال الراحة للمحتاج، ويفترقان في أن التحريض معناه الترغيب بذكر ما في الصدقة من الأجر، والشفاعة فيها معنى السؤال والتقاضي للإجابة انتهى، ويفترقان بأن الشفاعة لا تكون إلا في خير، بخلاف التحريض، وبأنها قد تكون بغير تحريض. الحديث: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَدِيٌّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ ثُمَّ مَالَ عَلَى النِّسَاءِ وَمَعَهُ بِلَالٌ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْقُلْبَ وَالْخُرْصَ الشرح: حديث ابن عباس في تحريض النساء على الصدقة، وقد تقدم مبسوطا في العيدين. وقوله: " عن عدي " هو ابن ثابت، وقوله "القلب " بضم القاف وسكون اللام آخرها موحدة هو السوار وقيل هو مخصوص بما كان من عظم. و " الخرص " بضم المعجمة وسكون الراء بعدها مهملة هي الحلقة. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ الشرح: حديث أبي موسى " اشفعوا تؤجروا " قد أورد في " باب الشفاعة " من كتاب الأدب، ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى. وعبد الواحد في الإسناد هو ابن زياد، قال ابن بطال: المعنى اشفعوا يحصل لكم الأجر مطلقا، سواء قضيت الحاجة أو لا. الحديث: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدَةَ وَقَالَ لَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ الشرح: حديث أسماء وهي بنت أبي بكر الصديق " لا توكي فيوكى عليك " كذا عنده بفتح الكاف ولم يذكر الفاعل. وفي رواية له " لا تحصي فيحصي الله عليك " فأبرز الفاعل، وكلاهما بالنصب لكونه جواب النهي وبالفاء. قوله: (عبدة) هو ابن سليمان، وهشام هو ابن عروة، وفاطمة هي بنت المنذر بن الزبير وهي زوج هشام، وأسماء جدتهما لأبويهما. وقوله "حدثنا عثمان عن عبدة " أي بإسناده المذكور، ويحتمل أن يكون الحديث كان عند عبدة عن هشام باللفظين فحدث به تارة هكذا وتارة هكذا، وقد رواه النسائي والإسماعيلي من طريق أبي معاوية عن هشام باللفظين معا، وسيأتي في الهبة عند المصنف من طريق ابن نمير عن هشام باللفظين، لكن بعين مهملة بدل الكاف، وهو بمعناه، يقال أوعيت المتاع في الوعاء أوعيه إذا جعلته فيه، ووعيت الشيء حفظته، وإسناد الوعي إلى الله مجاز عن الإمساك. والإيكاء شد رأس الوعاء بالوكاء وهو الرباط الذي يربط به، والإحصاء معرفة قدر الشيء وزنا أو عددا، وهو من باب المقابلة، والمعنى النهي عن منع الصدقة خشية النفاد، فإن ذلك أعظم الأسباب لقطع مادة البركة، لأن الله يثيب على العطاء بغير حساب، ومن لا يحاسب عند الجزاء لا يحسب عليه عند العطاء، ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب. وقيل: المراد بالإحصاء عد الشيء لأن يدخر ولا ينفق منه، وأحصاه الله قطع البركة عنه أو حبس مادة الرزق أو المحاسبة عليه في الآخرة. وسيأتي ذكر سبب هذا الحديث في كتاب الهبة مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى. قال ابن رشيد: قد تخفى مناسبة حديث أسماء لهذه الترجمة، وليس بخاف على الفطن ما فيه من معنى التحريض والشفاعة معا فإنه يصلح أن يقال في كل منهما، وهذه هي النكتة في ختم الباب به. *3* الشرح: قوله: (باب الصدقة فيما استطاع) أورد فيه حديث أسماء المذكور من وجه آخر عنها من وجهين، وساقه هنا على لفظ حجاج بن محمد لخلو طريق أبي عاصم من التقييد بالاستطاعة، وسيأتي في الهبة بلفظ أبي عاصم وسياقه أتم. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ الشرح: قوله "ارضخي " بكسر الهمزة من الرضخ بمعجمتين وهو العطاء اليسير، فالمعنى أنفقي بغير إجحاف ما دمت قادرة مستطيعة. *3* الشرح: قوله: (باب الصدقة تكفر الخطيئة) أورد فيه حديث حذيفة " فتنة الرجل في أهله وولده تكفرها الصلاة والصدقة " الحديث، وقد تقدم في باب الصلاة، وسيأتي الكلام عليه مبسوطا في علامات النبوة إن شاء الله تعالى. *3* الشرح: قوله: (باب من تصدق في الشرك ثم أسلم) أي هل يعتد له بثواب ذلك أو لا؟ قال الزين بن المنير: لم يبت الحكم من أجل قوة الاختلاف فيه. قلت: وقد تقدم البحث في ذلك مستوفى في كتاب الإيمان في الكلام على حديث " إذا أسلم العبد فحسن إسلامه " وأنه لا مانع من أن الله يضيف إلى حسناته في الإسلام ثواب ما كان صدر منه في الكفر تفضلا وإحسانا. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَجْرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ الشرح: قوله: (أتحنث) بالمثلثة أي أتقرب، والحنث في الأصل الإثم، وكأنه أراد ألقي عني الإثم. ولما أخرج البخاري هذا الحديث في الأدب عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري قال في آخره: ويقال أيضا عن أبي اليمان أتحنت يعني بالمثناة. ونقل عن أبي إسحاق أن التحنت التبرر، قال: وتابعه هشام بن عروة عن أبيه. وحديث هشام أورده في العتق بلفظ " كنت أتحنت بها " يعني أتبرر بها. قال عياض: رواه جماعة من الرواة في البخاري بالمثلثة وبالمثناة، وبالمثلثة أصح رواية ومعنى. قوله: (من صدقة أو عتاقة أو صلة) كذا هنا بلفظ " أو " وفي رواية شعيب المذكورة بالواو في الموضعين، وسقط لفظ " الصدقة " من رواية عبد الرزاق عن معمر. وفي رواية هشام المذكورة أنه أعتق في الجاهلية مائتي رقبة، وحمل على مائتي بعير. وزاد في آخره " فوالله لا أدع شيئا صنعته في الجاهلية إلا فعلت في الإسلام مثله". قوله: (أسلمت على ما سلف من خير) قال المازري: ظاهره أن الخير الذي أسلفه كتب له، والتقدير أسلمت على قبول ما سلف لك من خير. وقال الحربي: معناه ما تقدم لك من الخير الذي عملته هو لك، كما تقول أسلمت على أن أحوز لنفسي ألف درهم، وأما من قال إن الكافر لا يثاب فحمل معنى الحديث على وجوه أخرى منها أن يكون المعنى أنك بفعلك ذلك اكتسبت طباعا جميلة فانتفعت بتلك الطباع في الإسلام، وتكون تلك العادة قد مهدت لك معونة على فعل الخير، أو أنك اكتسبت بذلك ثناء جميلا فهو باق لك في الإسلام، أو أنك ببركة فعل الخير هديت إلى الإسلام لأن المبادئ عنوان الغايات، أو أنك بتلك الأفعال رزقت الرزق الواسع. قال ابن الجوزي: قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم ورى عن جوابه، فإنه سأل: هل لي فيها من أجر؟ فقال: أسلمت على ما سلف من خير. والعتق فعل خير، كأنه أراد أنك فعلت الخير والخير يمدح فاعله ويجازى عليه في الدنيا، فقد روى مسلم من حديث أنس مرفوعا " أن الكافر يثاب في الدنيا بالرزق على ما يفعله من حسنة". *3* الشرح: قوله: (باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسد) قال ابن العربي: اختلف السلف فيما إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها، فمنهم من أجازه لكن في الشيء اليسير الذي لا يؤبه له ولا يظهر به النقصان. ومنهم من حمله على ما إذا أذن الزوج ولو بطريق الإجمال، وهو اختيار البخاري، ولذلك قيد الترجمة بالأمر به. ويحتمل أن يكون ذلك محمولا على العادة، وأما التقييد بغير الإفساد فمتفق عليه. ومنهم من قال: المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال في مصالحه، وليس ذلك بأن يفتئتوا على رب البيت بالإنفاق على الفقراء بغير إذن، ومنهم من فرق بين المرأة والخادم فقال: المرأة لها حق في مال الزوج والنظر في بيتها فجاز لها أن تتصدق، بخلاف الخادم فليس له تصرف في متاع مولاه فيشترط الإذن فيه. وهو متعقب بأن المرأة إذا استوفت حقها فتصدقت منه فقد تخصصت به، وإن تصدقت من غير حقها رجعت المسألة كما كانت والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِك الشرح: حديث عائشة وسيأتي في الباب الذي بعده. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْخَازِنُ الْمُسْلِمُ الْأَمِينُ الَّذِي يُنْفِذُ وَرُبَّمَا قَالَ يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبًا بِهِ نَفْسُهُ فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ الشرح: حديث أبي موسى، وقد قيد الخازن فيه بكونه مسلما فأخرج الكافر لأنه لا نية له، وبكونه أمينا فأخرج الخائن لأنه مأزور. ورتب الأجر على إعطائه ما يؤمر به غير ناقص لكونه خائنا أيضا، وبكون نفسه بذلك طيبة لئلا يعدم النية فيفقد الأجر وهي قيود لا بد منها. قوله: (الذي ينفذ) بفاء مكسورة مثقلة ومخففة. *3* الشرح: قوله: (باب أجر المرأة إذا تصدقت أو أطعمت من بيت زوجها غير مفسدة) قد تقدمت مباحثه في الذي قبله، ولم يقيده بالأمر كما قيد الذي قبله فقيل: إنه فرق بين المراة والخادم بأن المرأة لها أن تتصرف في بيت زوجها بما ليس فيه إفساد للرضا بذلك في الغالب، بخلاف الخادم الخازن. ويدل على ذلك ما رواه المصنف من حديث همام عن أبي هريرة بلفظ " إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره " وسيأتي في البيوع وأورد فيه المصنف حديث عائشة المذكور من ثلاثة طرق تدور على أبي وائل شقيق بن سلمة عن مسروق عنها: أولها شعبة عن منصور والأعمش عنه ولم يسق لفظه بتمامه، ثانيها حفص بن غياث عن الأعمش وحده. ثالثها جرير عن منصور وحده، ولفظ الأعمش " إذا أطعمت المرأة من بيت زوجها " ولفظ منصور " إذا أنفقت من طعام بيتها " وقد أورده الإسماعيلي من حديث شعبة ولفظه " إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها كتب لها أجر ولزوجها مثل ذلك وللخازن مثل ذلك لا ينقص كل واحد منهم من أجر صاحبه شيئا، للزوج بما اكتسب ولها بما أنفقت غير مفسدة " ولشعبة فيه إسناد آخر أورده الإسماعيلي أيضا من روايته عن عمرو بن مرة عن أبي وائل عن عائشة ليس فيه مسروق وقد أخرجه الترمذي بالإسنادين وقال: إن رواية منصور والأعمش بذكر مسروق فيه أصح. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَالْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْنِي إِذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَطْعَمَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا وَلَهُ مِثْلُهُ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ لَهُ بِمَا اكْتَسَبَ وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ الشرح: قوله: (وله مثله) أي مثل أجرها (وللخازن مثل ذلك) أي بالشروط المذكورة في حديث أبي موسى، وظاهره يقتضي تساويهم في الأجر، ويحتمل أن يكون المراد بالمثل حصول الأجر في الجملة وإن كان أجر الكاسب أوفر، لكن التعبير في حديث أبي هريرة الذي ذكرته بقوله " فلها نصف أجره " يشعر بالتساوي، وقد سبق قبل بستة أبواب من طريق جرير أيضا وزاد في آخره " لا ينقص بعضهم أجر بعض " والمراد عدم المساهمة والمزاحمة في الأجر، ويحتمل أن يراد مساواة بعضهم بعضا والله أعلم. وفي الحديث فضل الأمانة، وسخاوة النفس، وطيب النفس في فعل الخير، والإعانة على فعل الخير. *3* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقَ مَالٍ خَلَفًا الشرح: قوله: (باب قول الله تعالى: قوله: (اللهم أعط منفق مال خلفا) قال الكرماني: هو معطوف على الآية وحذف أداة العطف كثير، وهو مذكور على سبيل البيان للحسنى، أي تيسير الحسنى له إعطاء الخلف. قلت: قد أخرج الطبري من طرق متعددة عن ابن عباس في هذه الآية قال: أعطى مما عنده واتقى ربه وصدق بالخلف من الله تعالى. ثم حكى عن غيره أقوالا أخرى قال: وأشبهها بالصواب قول ابن عباس. والذي يظهر لي أن البخاري أشار بذلك إلى سبب نزول الآية المذكورة، وهو بين فيما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق قتادة " حدثني خالد العصري عن أبي الدرداء مرفوعا " نحو حديث أبي هريرة المذكور في الباب، وزاد في آخره: فأنزل الله في ذلك (فأما من أعطى واتقى - إلى قوله - للعسرى) وهو عند أحمد من هذا الوجه، لكن ليس فيه آخره. قوله: " منفق مال " بالإضافة ولبعضهم " منفقا مالا خلفا " ومالا مفعول منفق بدليل رواية الإضافة ولولاها احتمل أن يكون مفعول أعطى، والأول أولى من جهة أخرى وهي أن سياق الحديث للحض على إنفاق المال فناسب أن يكون مفعول منفق، وأما الخلف فإبهامه أولى ليتناول المال والثواب: وغيرهما، وكم من متق مات قبل أن يقع له الخلف المالي فيكون خلفة الثواب المعد له في الآخرة، أو يدفع عنه من السوء ما يقابل ذلك. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا الشرح: قوله: (حدثنا إسماعيل حدثني أخي) هو أبو بكر بن أبي أويس، وسليمان هو ابن بلال، وأبو الحباب بضم المهملة وموحدتين الأولى خفيفة وسماه مسلم في روايته سعيد بن يسار وهو عم معاوية الراوي عنه، ومزرد بضم الميم وفتح الزاي وتشديد الراء الثقيلة واسم أبي مزرد عبد الرحمن، وهذا الإسناد كله مدنيون. قوله: (ما من يوم) في حديث أبي الدرداء " ما من يوم طلعت فيه الشمس إلا وبجنبتيها ملكان يناديان يسمعه خلق الله كلهم " إلا الثقلين: يا أيها الناس، هلموا إلى ربكم، إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، ولا غربت شمسه إلا وبجنبتيها ملكان يناديان " فذكر مثل حديث أبي هريرة. قوله: (إلا ملكا) في حديث أبي الدرداء " إلا وبجنبتيها ملكان " والجنبة بسكون النون الناحية، وقوله "خلفا " أي عوضا. قوله: (أعط ممسكا تلفا) التعبير بالعطية في هذه للمشاكلة، لأن التلف ليس بعطية. وأفاد حديث أبي هريرة أن الكلام المذكور موزع بينهما، فنسب إليهما في حديث أبي الدرداء نسبة المجموع إلى المجموع، وتضمنت الآية الوعد بالتيسير لمن ينفق في وجوه البر، والوعيد بالتعسير لعكسه. والتيسير المذكور أعم من أن يكون لأحوال الدنيا أو لأحوال الآخرة، وكذا دعاء الملك بالخلف يحتمل الأمرين، وأما الدعاء بالتلف فيحتمل تلف ذلك المال بعينه أو تلف نفس صاحب المال، والمراد به فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها. قال النووي: الإنفاق الممدوح ما كان في الطاعات وعلى العيال والضيفان والتطوعات. وقال القرطبي: وهو يعم الواجبات والمندوبات، لكن الممسك عن المندوبات لا يستحق هذا الدعاء إلا أن يغلب عليه البخل المذموم بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحق الذي عليه ولو أخرجه. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في قوله في حديث أبي موسى " طيبة بها نفسه " والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب مثل المتصدق والبخيل) قال الزين بن المنير: قام التمثيل في خبر الباب مقام الدليل على تفضيل المتصدق على البخيل، فاكتفى المصنف بذلك عن أن يضمن الترجمة مقاصد الخبر على التفصيل. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ و حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلَا يُنْفِقُ إِلَّا سَبَغَتْ أَوْ وَفَرَتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلَا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا إِلَّا لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا فَهُوَ يُوَسِّعُهَا وَلَا تَتَّسِعُ تَابَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ فِي الْجُبَّتَيْنِ وَقَالَ حَنْظَلَةُ عَنْ طَاوُسٍ جُنَّتَانِ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ عَنْ ابْنِ هُرْمُزَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُنَّتَانِ الشرح: قوله: (حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي، وابن طاوس اسمه عبد الله. ولم يسق المتن من هذه الطريق الأولى هنا، وقد أورده في الجهاد عن موسى بهذا الإسناد فساقه بتمامه. قوله: (أن عبد الرحمن) هو ابن هرمز الأعرج. قوله: (مثل البخيل والمنفق) وقع عند مسلم من طريق سفيان عن أبي الزناد " مثل المنفق والمتصدق " قال عياض: وهو وهم، ويمكن أن يكون حذف مقابله لدلالة السياق عليه. قلت قد رواه الحميدي وأحمد وابن أبي عمر وغيرهم في مسانيدهم عن ابن عيينة فقالوا في روايتهم " مثل المنفق والبخيل " كما في رواية شعيب عن أبي الزناد وهو الصواب، ووقع في رواية الحسن بن مسلم عن طاوس " ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق " أخرجها المصنف في اللباس. قوله: (عليهما جبتان من حديد) كذا في هذه الرواية بضم الجيم بعدها موحدة، ومن رواه فيها بالنون فقد صحف، وكذا رواية الحسن بن مسلم، ورواه حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن طاوس بالنون ورجحت لقوله " من حديد " والجنة في الأصل الحصن، وسميت بها الدرع لأنها تجن صاحبها أي تحصنه، والجبة بالموحدة ثوب مخصوص، ولا مانع من إطلاقه على الدرع. واختلف في رواية الأعرج والأكثر على أنها بالموحدة أيضا. قوله: (من ثديهما) بضم المثلثة جمع ثدي، و (تراقيهم) بمثناة وقاف جمع ترقوة. قوله: (سبغت) أي امتدت وغطت. قوله: (أو وفرت) شك من الراوي، وهو بتخفيف الفاء من الوفور، ووقع في رواية الحسن بن مسلم " انبسطت " وفي رواية الأعرج " اتسعت عليه " وكلها متقاربة. قوله: (حتى تخفي بنانه) أي تستر أصابعه. وفي رواية الحميدي " حتى تجن " بكسر الجيم وتشديد النون وهي بمعنى تخفي، وذكرها الخطابي في شرحه للبخاري كرواية الحميدي، وبنانه بفتح الموحدة ونونين الأولى خفيفة: الإصبع، ورواه بعضهم " ثيابه " بمثلثة وبعد الألف موحدة وهو تصحيف. وقد وقع في رواية الحسن بن مسلم " حتى تغشي - بمعجمتين - أنامله". قوله: (وتعفو أثره) بالنصب أي تستر أثره، يقال عفا الشيء وعفوته أنا لازم ومتعد، ويقال عفت الدار إذا غطاها التراب، والمعنى أن الصدقة تستر خطاياه كما يغطي الثوب الذي يجر على الأرض أثر صاحبه إذا مشى بمرور الذيل عليه. قوله: (لزقت) في رواية مسلم " انقبضت " وفي رواية همام " غاصت كل حلقة مكانها " وفي رواية سفيان عند مسلم " قلصت " وكذا في رواية الحسن بن مسلم عند المصنف، والمفاد واحد لكن الأولى نظر فيها إلى صورة الضيق والأخيرة نظر فيها إلى سبب الضيق. وزعم ابن التين أن فيه إشارة إلى أن البخيل يكوى بالنار يوم القيامة، قال الخطابي وغيره: وهذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للبخيل والمتصدق، فشبههما برجلين أراد كل واحد منهما أن يلبس درعا يستتر به من سلاح عدوه، فصبها على رأسه ليلبسها، والدروع أول ما تقع على الصدر والثديين إلى أن يدخل الإنسان يديه في كميها، فجعل المنفق كمن لبس درعا سابغة فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه، وهو معنى قوله " حتى تعفو أثره " أي تستر جميع بدنه. وجعل البخيل كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه، كلما أراد لبسها اجتمعت في عنقه فلزمت ترقوته، وهو معني قوله " قلصت " أي تضامنت واجتمعت، والمراد أن الجواد إذا هم بالصدقة انفسح لها صدره وطابت نفسه فتوسعت في الإنفاق، والبخيل إذا حدث نفسه بالصدقة شحت نفسه فضاق صدره وانقبضت يداه وقال المهلب: المراد أن الله يستر المنفق في الدنيا والآخرة، بخلاف البخيل فإنه يفضحه. ومعنى تعفو أثره تمحو خطاياه. وتعقبه عياض بأن الخبر جاء على التمثيل لا على الإخبار عن كائن. قال: وقيل هو تمثيل لنماء المال بالصدقة، والبخل بضده. وقيل تمثيل لكثرة الجود والبخل، وأن المعطي إذا أعطى انبسطت يداه بالعطاء وتعود ذلك، وإذا أمسك صار ذلك عادة. وقال الطيبي: قيد المشبه به بالحديد إعلاما بأن القبض والشدة من جبلة الإنسان، وأوقع المتصدق موقع السخي لكونه جعله في مقابلة البخيل إشعارا بأن السخاء هو ما أمر به الشارع وندب إليه من الإنفاق لا ما يتعاناه المسرفون. قوله: (فهو يوسعها ولا تتسع) ، وقع في رواية سفيان عند مسلم " قال أبو هريرة فهو يوسعها ولا تتسع " وهذا يوهم أن يكون مدرجا وليس كذلك، وقد وقع التصريح برفع هذه الجملة في طريق طاوس عن أبي هريرة: ففي رواية ابن طاوس عند المصنف في الجهاد " فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فيجتهد أن يوسعها ولا تتسع " وفي رواية مسلم " فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره. وفي رواية الحسن بن مسلم عندهما " فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأصبعه هكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ولا تتسع " ووقع عند أحمد من طريق ابن إسحاق عن أبي الزناد في الحديث " وأما البخيل فإنها لا تزداد عليه إلا استحكاما " وهذا بالمعنى. قوله: (تابعه الحسن بن مسلم عن طاوس) وصله المصنف في اللباس من طريقه. قوله: (وقال حنظلة عن طاوس) ذكره في اللباس أيضا تعليقا بلفظ " وقال حنظلة سمعت طاوسا سمعت أبا هريرة " وقد وصله الإسماعيلي من طريق إسحاق الأزرق عن حنظلة. قوله: (وقال الليث حدثني جعفر) هو ابن ربيعة، وابن هرمز هو عبد الرحمن الأعرج، ولم تقع في رواية الليث موصولة إلى الآن، وقد رأيته عنه بإسناد آخر أخرجه ابن حبان من طريق عيسى ابن حماد عن الليث عن ابن عجلان عن أبي الزناد بسنده. *3* لِقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ الشرح: قوله: (باب صدقة الكسب والتجارة، لقوله تعالى ومن طريق أبي بكر الهذلي عن محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو عن علي قال في قوله: (وهما أخرجنا لكم من الأرض) قال: يعني من الحب والتمر كل شيء عليه زكاة. قال الزين بن المنير لم يقيد الكسب في الترجمة بالطيب كما في الآية استغناء عن ذلك بما قدم في ترجمة " باب الصدقة من كسب طيب". *3* الشرح: قوله: (باب على كل مسلم صدقة، فمن لم يجد فليعمل بالمعروف) قال الزين بن المنير: نصب هذه الترجمة علما على الخبر مقتصرا على بعض ما فيه إيجازا. الحديث: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ عَنْ الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ الشرح: قوله: (سعيد بن أبي بردة) أي ابن أبي موسى الأشعري. ووقع التصريح به عند أبي عوانة في صحيحه. قوله: (على كل مسلم صدقة) أي على سبيل الاستحباب المتأكد أو على ما هو أعم من ذلك، والعبارة صالحة للإيجاب والاستحباب كقوله عليه الصلاة والسلام " على المسلم ست خصال " فذكر. منها ما هو مستحب اتفاقا، وزاد أبو هريرة في حديثه تقييد ذلك بكل يوم كما سيأتي في الصلح من طريق همام عنه، ولمسلم من حديث أبي ذر مرفوعا " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة " والسلامى بضم المهملة وتخفيف اللام: المفصل، وله في حديث عائشة " خلق الله كل إنسان من بني آدم على ستين وثلثمائة مفصل". قوله: (فقالوا يا نبي الله فمن لم يجد) كأنهم فهموا من لفظ الصدقة العطية فسألوا عمن ليس عنده شيء، فبين لهم أن المراد بالصدقة ما هو أعم من ذلك ولو بإغاثة الملهوف والأمر بالمعروف، وهل تلتحق هذه الصدقة بصدقة التطوع التي تحسب يوم القيامة من الفرض الذي أخل به؟ فيه نظر، الذي يظهر أنها غيرها لما تبين من حديث عائشة المذكور أنها شرعت بسبب عتق المفاصل حيث قال في آخر هذا الحديث " فإنه يمسي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار". قوله: (الملهوف) أي المستغيث وهو أعم من أن يكون مظلوما أو عاجزا. قوله: (فليعمل بالمعروف) في رواية المصنف في الأدب من وجه آخر عن شعبة " فليأمر بالخير أو بالمعروف " زاد أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة " وينهى عن المنكر". قوله: (وليمسك) في روايته في الأدب " قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: فليمسك عن الشر " وكذا لمسلم من طريق أبي أسامة عن شعبة وهو أصح سياقا، فظاهر سياق الباب أن الأمر بالمعروف والإمساك عن الشر رتبة واحدة، وليس كذلك بل الإمساك هو الرتبة الأخيرة. قوله: (فإنها) كذا وقع هنا بضمير المؤنث، وهو باعتبار الخصلة من الخير وهو الإمساك، ووقع في رواية الأدب: فإنه أي الإمساك له أي للممسك. وقال الزين بن المنير: إنما يحصل ذلك للممسك عن الشر إذا نوى بالإمساك القربة، بخلاف محض الترك، والإمساك أعم من أن يكون عن غيره فكأنه تصدق عليه بالسلامة منه، فإن كان شره لا يتعدى نفسه فقد تصدق على نفسه بأن منعها من الإثم، قال: وليس ما تضمنه الخبر من قوله " فإن لم يجد " ترتيبا، وإنما هو للإيضاح لما يفعله من عجز عن خصلة من الخصال المذكورة فإنه يمكنه خصلة أخرى، فمن أمكنه أن يعمل بيده فيتصدق وأن يغيث الملهوف وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويمسك عن الشر فليفعل الجميع، ومقصود هذا الباب أن أعمال الخير تنزل منزلة الصدقات في الأجر ولا سيما في حق من لا يقدر عليها. ويفهم منه أن الصدقة في حق القادر عليها أفضل من الأعمال القاصرة، ومحصل ما ذكر في حديث الباب أنه لا بد من الشفقة على خلق الله، وهي إما بالمال أو غيره، والمال إما حاصل أو مكتسب، وغير المال إما فعل وهو الإغاثة وإما ترك وهو الإمساك انتهى. وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به: ترتيب هذا الحديث أنه ندب إلى الصدقة، وعند العجز عنها ندب إلى ما يقرب منها أو يقوم مقامها وهو العمل والانتفاع، وعند العجز عن ذلك ندب إلى ما يقوم مقامه وهو الإغاثة، وعند عدم ذلك ندب إلى فعل المعروف أي من سوى ما تقدم كإماطة الأذى، وعند عدم ذلك ندب إلى الصلاة، فإن لم يطق فترك الشر وذلك آخر المراتب. قال: ومعنى الشر هنا ما منعه الشرع، ففيه تسلية للعاجز عن فعل المندوبات إذا كان عجزه عن ذلك من غير اختيار. قلت: وأشار بالصلاة إلى ما وقع في آخر حديث أبي ذر عند مسلم " ويجزئ عن ذلك كله ركعتا الضحى " وهو يؤيد ما قدمناه أن هذه الصدقة لا يكمل منها ما يختل من الفرض، لأن الزكاة لا تكمل الصلاة ولا العكس فدل على افتراق الصدقتين. واستشكل الحديث مع تقدم ذكر الأمر بالمعروف وهو من فروض الكفاية فكيف تجزئ عنه صلاة الضحى وهي من التطوعات؟ وأجيب بحمل الأمر هنا على ما إذا حصل من غيره فسقط به الفرض، وكأن في كلامه هو زيادة في تأكيد ذلك فلو تركه أجزأت عنه صلاة الضحى، كذا قيل وفيه نظر، والذي يظهر أن المراد أن صلاة الضحى تقوم مقام الثلثمائة وستين حسنة التي يستحب للمرء أن يسعى في تحصيلها كل يوم ليعتق مفاصله التي هي بعددها، لا أن المراد أن صلاة الضحى تغني عن الأمر بالمعروف وما ذكر معه، وإنما كان كذلك لأن الصلاة عمل بجميع الجسد فتتحرك المفاصل كلها فيها بالعبادة، ويحتمل أن يكون ذلك لكون الركعتين تشتملان على ثلثمائة وستين ما بين قول وفعل إذا جعلت كل حرف من القراءة مثلا صدقة، وكأن صلاة الضحى خصت بالذكر لكونها أول تطوعات النهار بعد الفرض وراتبته، وقد أشار في حديث أبي ذر إلى أن صدقة السلامى نهارية لقوله " يصبح على كل سلامى من أحدكم " وفي حديث أبي هريرة " كل يوم تطلع فيه الشمس " وفي حديث عائشة " فيمسي وقد زحزح نفسه عن النار " وفي الحديث أن الأحكام تجري على الغالب، لأن في المسلمين من يأخذ الصدقة المأمور بصرفها، وقد قال " على كل مسلم صدقة " وفيه مراجعة العالم في تفسير المجمل وتخصيص العام. وفيه فضل التكسب لما فيه من الإعانة، وتقديم النفس على الغير والمراد بالنفس ذات الشخص وما يلزمه. والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب قدر كم يعطي من الزكاة والصدقة، ومن أعطى شاة) أورد فيه حديث أم عطية في إهدائها الشاة التي تصدق بها عليها. قال الزين بن المنير: عطف الصدقة على الزكاة من عطف العام على الخاص، إذ لو اقتصر على الزكاة لأفهم أن غيرها بخلافها، وحذف مفعول يعطي اختصارا لكونهم ثمانية أصناف، وأشار بذلك إلى الرد على من كره أن يدفع إلى شخص واحد قدر النصاب، وهو محكي عن أبي حنيفة. وقال محمد بن الحسن: لا بأس به انتهى. وقال غيره: لفظ الصدقة يعم الفرض والنفل، والزكاة كذلك لكنها لا تطلق غالبا إلا على المفروض دون التطوع فهي أخص من الصدقة من هذا الوجه، ولفظ الصدقة من حيث الإطلاق على الفرض مرادف الزكاة لا من حيث الإطلاق على النفل، وقد تكرر في الأحاديث لفظ الصدقة على المفروضة ولكن الأغلب التفرقة. والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ بُعِثَ إِلَى نُسَيْبَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ بِشَاةٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنْهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْتُ لَا إِلَّا مَا أَرْسَلَتْ بِهِ نُسَيْبَةُ مِنْ تِلْكَ الشَّاةِ فَقَالَ هَاتِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا الشرح: قوله: (بعث إلى نسيبة الأنصارية) هي أم عطية كذا وقع في رواية ابن السكن عن الفربري عن البخاري في آخر هذا الحديث، وكان السياق يقتضي أن يقول " بعث إلي " بلفظ ضمير المتكلم المجرور كما وقع عند مسلم من طريق ابن علية عن خالد، لكنه في هذا السياق وضع الظاهر موضع المضمر إما تجريدا وإما التفاتا، وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في " باب إذا حولت الصدقة " في أواخر كتاب الزكاة إن شاء الله تعالى. الشرح: قوله: (باب زكاة الورق) أي الفضة، يقال " ورق " بفتح الواو وبكسرها وبكسر الراء وسكونها، قال ابن المنير: لما كانت الفضة هي المال الذي يكثر دورانه في أيدي الناس ويروج بكل مكان كان أولى بأن يقدم على ذكر تفاصيل الأموال الزكوية. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو سَمِعَ أَبَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الشرح: قوله: (عن عمرو بن يحيى المازني) في موطأ ابن وهب " عن مالك أن عمرو بن يحيى حدثه". قوله: (عن أبيه) في مسند الحميدي عن سفيان " سألت عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي الحسن المازني فحدثني عن أبيه " وفي رواية يحيى بن سعيد وهو الأنصاري التي ذكرها المصنف عقب هذا الإسناد التصريح بسماع عمرو وهو ابن يحيى المذكور له من أبيه، وهذا هو السر في إيراده للإسناد خاصة، وقد حكى ابن عبد البر عن بعض أهل العلم أن حديث الباب لم يأت إلا من حديث أبي سعيد الخدري، قال: وهذا هو الأغلب، إلا أنني وجدته من رواية سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، ومن طريق محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن جابر انتهى. ورواية سهيل في " الأموال لأبي عبيد " ورواية مسلم في " المستدرك " وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن جابر، وجاء أيضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة وأبي رافع ومحمد بن عبد الله بن جحش أخرج أحاديث الأربعة الدارقطني، ومن حديث ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة وأبو عبيد أيضا. قوله: (خمس ذود) بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد. قوله: (خمس أواق) زاد مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد " خمس أواق من الورق صدقة " وهو مطابق للفظ الترجمة، وكأن المصنف أراد أن يبين بالترجمة ما أبهم في لفظ الحديث اعتمادا على الطريق الأخرى. و " أواق " بالتنوين وبإثبات التحتانية مشددا ومخففا جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد التحتانية، وحكى اللحياني " وقية " بحذف الألف وفتح الواو. ومقدار الأوقية في هذا الحديث أربعون درهما بالاتفاق، والمراد بالدرهم الخالص من الفضة سواء كان مضروبا أو غير مضروب، قال عياض قال أبو عبيد: إن الدرهم لم يكن معلوم القدر حتى جاء عبد الملك بن مروان فجمع العلماء فجعلوا كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، قال: وهذا يلزم منه أن يكون صلى الله عليه وسلم أحال بنصاب الزكاة على أمر مجهول وهو مشكل، والصواب أن معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن شيء منها من ضرب الإسلام وكانت مختلفة في الوزن بالنسبة إلى العدد، فعشرة مثلا وزن عشرة وعشرة وزن ثمانية، فاتفق الرأي على أن تنقش بكتابة عربية ويصير وزنها وزنا واحدا. وقال غيره: لم يتغير المثقال في جاهلية ولا إسلام، وأما الدرهم فأجمعوا على أن كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم، ولم يخالف في أن نصاب الزكاة مائتا درهم يبلغ مائة وأربعين مثقالا من الفضة الخالصة إلا ابن حبيب الأندلسي فإنه انفرد بقوله: إن كل أهل بلد يتعاملون بدراهمهم. وذكر ابن عبد البر اختلافا في الوزن بالنسبة إلى دراهم الأندلس وغيرها من دراهم البلاد، وكذا خرق المريسي الإجماع فاعتبر النصاب بالعدد لا الوزن، وانفرد السرخسي من الشافعية بحكاية وجه في المذهب أن الدراهم المغشوشة إذا بلغت قدرا لو ضم إليه قيمة الغش من نحاس مثلا لبلغ نصابا فإن الزكاة تجب فيه كما نقل عن أبي حنيفة، واستدل بهذا الحديث على عدم الوجوب فيما إذا نقص من النصاب ولو حبة واحدة، خلافا لمن سامح بنقص يسير كما نقل عن بعض المالكية. قوله: (أوسق) جمع وسق بفتح الواو ويجوز كسرها كما حكاه صاحب " المحكم " وجمعه حينئذ أوساق كحمل وأحمال، وقد وقع كذلك في رواية لمسلم، وهو ستون صاعا بالاتفاق، ووقع في رواية ابن ماجه من طريق أبي البختري عن أبي سعيد نحو هذا الحديث وفيه " والوسق ستون صاعا"، وأخرجها أبو داود أيضا لكن قال " ستون مختوما " والدارقطني من حديث عائشة أيضا والوسق ستون صاعا، ولم يقع في الحديث بيان المكيل بالأوسق لكن في رواية مسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حب صدقة " وفي رواية له " ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق " ولفظ " دون " في المواضع الثلاثة بمعنى أقل لا أنه نفى عن غير الخمس الصدقة كما زعم بعض من لا يعتد بقوله. واستدل بهذا الحديث على وجوب الزكاة في الأمور الثلاثة، واستدل به على أن الزروع لا زكاة فيها حتى تبلغ خمسة أوسق، وعن أبي حنيفة تجب في قليله وكثيره لقوله صلى الله عليه وسلم "فيما سقت السماء العشر " وسيأتي البحث في ذلك في باب مفرد إن شاء الله تعالى. ولم يتعرض الحديث للقدر الزائد على المحدود، وقد أجمعوا في الأوساق على أنه لا وقص فيها، وأما الفضة فقال الجمهور هو كذلك، وعن أبي حنيفة لا شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى يبلغ النصاب وهو أربعون فجعل لها وقصا كالماشية، واحتج عليه الطبراني بالقياس على الثمار والحبوب، والجامع كون الذهب والفضة مستخرجين من الأرض بكلفة ومؤونة، وقد أجمعوا على ذلك في خمسة أوسق فما زاد. (فائدة) : أجمع العلماء على اشتراط الحول في الماشية والنقد دون المعشرات. والله أعلم. *3* وَقَالَ طَاوُسٌ قَالَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَهْلِ الْيَمَنِ ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ فَلَمْ يَسْتَثْنِ صَدَقَةَ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِهَا فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا وَلَمْ يَخُصَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْ الْعُرُوضِ الشرح: قوله: (باب العرض في الزكاة) أي جواز أخذ العرض، وهو بفتح المهملة وسكون الراء بعدها معجمة، والمراد به ما عدا النقدين. قال ابن رشيد: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم، لكن قاده إلى ذلك الدليل. وقد أجاب الجمهور عن قصة معاذ وعن الأحاديث كما سيأتي عقب كل منها. قوله: (وقال طاوس: قال معاذ لأهل اليمن) هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاوس، لكن طاوس لم يسمع من معاذ فهو منقطع، فلا يغتر بقول من قال ذكره البخاري بالتعليق الجازم فهو صحيح عنده لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه، وأما باقي الإسناد فلا، إلا أن إيراده له في معرض الاحتجاج به يقتضي قوته عنده، وكأنه عضده عنده الأحاديث التي ذكرها في الباب. وقد روينا أثر طاوس المذكور في " كتاب الخراج ليحيى بن آدم " من رواية ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة وعمرو بن دينار فرقهما كلاهما عن طاوس. وقوله "خميص " قال الداودي والجوهري وغيرهما: ثوب خميس بسين مهملة هو ثوب طوله خمسة أذرع، وقيل سمي بذلك لأن أول من عمله الخميس ملك من ملوك اليمن. وقال عياض: ذكره البخاري بالصاد، وأما أبو عبيدة فذكره بالسين، قال أبو عبيدة: كأن معاذا عنى الصفيق من الثياب. وقال عياض: قد يكون المراد ثوب خميص أي خميصة، لكن ذكره على إرادة الثوب. وقوله "لبيس " أي ملبوس فعيل بمعنى مفعول. وقوله "في الصدقة " يرد قول من قال إن ذلك كان في الخراج، وحكى البيهقي أن بعضهم قال فيه " من الجزية " بدل الصدقة، فإن ثبت ذلك سقط الاستدلال، لكن المشهور الأول، وقد رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس " أن معاذا كان يأخذ العروض في الصدقة " وأجاب الإسماعيلي باحتمال أن يكون المعنى ائتوني به آخذه منكم مكان الشعير والذرة الذي آخذه شراء بما آخذه فيكون بقبضه قد بلغ محله، ثم يأخذ مكانه ما يشتريه مما هو أوسع عندهم وأنفع للآخذ. قال: ويؤيده أنها لو كانت من الزكاة لم تكن مردودة على الصحابة، وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم فيردها على فقرائهم. وأجيب بأنه لا مانع من أنه كان يحمل الزكاة إلى الإمام ليتولى قسمتها. وقد احتج به من يجيز نقل الزكاة من بلد إلى بلد، وهي مسألة خلافية أيضا. وقيل في الجواب عن قصة معاذ إنها اجتهاد منه فلا حجة فيها، وفيه نظر لأنه كان أعلم الناس بالحلال والحرام، وقد بين له النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن ما يصنع. وقيل كانت تلك واقعة حال لا دلالة فيها لاحتمال أن يكون علم بأهل المدينة حاجة لذلك وقد قام الدليل على خلاف عمله ذلك. وقال القاضي عبد الوهاب المالكي: كانوا يطلقون على الجزية اسم الصدقة فلعل هذا منها. وتعقب بقوله " مكان الشعير والذرة " وما كانت الجزية حينئذ من أولئك من شعير ولا ذرة إلا من النقدين. وقوله "أهون عليكم " أراد معنى تسلط السهولة عليهم فلم يقل أهون لكم. وقوله "وخير لأصحاب محمد " أي أرفق بهم لأن مؤونة النقل ثقيلة فرأى الأخف في ذلك خيرا من الأثقل. قوله: (وقاله النبي صلى الله عليه وسلم وأما خالد) هو طرف من حديث لأبي هريرة أوله " أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة، فقيل منع ابن جميل " الحديث وسيأتي موصولا في " باب قول الله وفي الرقاب " مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى. قوله: (وقال النبي صلى الله عليه وسلم تصدقن ولو من حليكن فلم يستثن صدقة الفرض من غيرها، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها، ولم يخص الذهب والفضة من العروض) أما الحديث فطرف من حديث لابن عباس أخرجه المصنف بمعناه وقد تقدم في العيدين، وهو عند مسلم بلفظه من طريق عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وأوله " خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى " الحديث وفيه " فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها " والخرص بضم المعجمة وسكون الراء بعدها مهملة الحلقة التي تجعل في الأذن، وقد ذكره المصنف موصولا في آخر الباب لكن لفظه " فجعلت المرأة تلقي، وأشار أيوب إلى أذنه وحلقه " وقد وقع تفسير ذلك بما ذكره في الترجمة من قوله " تلقي خرصها وسخابها " لأن الخرص من الأذن والسخاب من الحلق، والسخاب بكسر المهملة بعدها معجمة وآخره موحدة القلادة. وقوله "فلم يستثن " وقوله " فلم يخص " كل من الكلامين للبخاري ذكرهما بيانا لكيفية الاستدلال على أداء العرض في الزكاة، وهو مصير منه إلى أن مصارف الصدقة الواجبة كمصارف صدقة التطوع بجامع ما فيهما من قصد القربة، والمصروف إليهم بجامع الفقر والاحتياج، إلا ما استثناه الدليل. وأما من وجهه فقال: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالصدقة في ذلك اليوم وأمره على الوجوب صارت صدقة واجبة، ففيه نظر لأنه لو كان للإيجاب هنا لكان مقدرا وكانت المجازفة فيه وقبول ما تيسر غير جائز. ويمكن أن يكون تمسك بقوله " تصدقن " فإنه مطلق يصلح لجميع أنواع الصدقات واجبها ونفلها وجميع أنواع المتصدق به عينا وعرضا، ويكون قوله " ولو من حليكن " للمبالغة أي ولو لم تجدن إلا ذلك. وموضع الاستدلال منه للعرض قوله " وسخابها " لأنه قلادة تتخذ من مسك وقرنفل ونحوهما تجعل في العنق، والبخاري فيما عرف بالاستقراء من طريقته يتمسك بالمطلقات تمسك غيره بالعمومات. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ الشرح: ح حديث أنس أن أبا بكر كتب له، وسيأتي معظمه في " باب زكاة الغنم " وموضع الدلالة منه قبول ما هو أنفس مما يجب على المتصدق وإعطاؤه التفاوت من جنس غير الجنس الواجب، وكذا العكس، لكن أجاب الجمهور عن ذلك بأنه لو كان كذلك لكان ينظر إلى ما بين الشيئين في القيمة، فكان العرض يزيد تارة وينقص أخرى لاختلاف ذلك في الأمكنة والأزمنة، فلما قدر الشارع التفاوت بمقدار معين لا يزيد ولا ينقص كان ذلك هو الواجب في الأصل في مثل ذلك، ولولا تقدير الشارع بذلك لتعينت بنت المخاض مثلا ولم يجز أن تبدل بنت لبون مع التفاوت. والله أعلم *3* وَيُذْكَرُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ الشرح: قوله: (باب لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع) في رواية الكشميهني " متفرق " بتقديم التاء وتشديد الراء، قال الزين بن المنير: لم يقيد المصنف الترجمة بقوله خشية الصدقة لاختلاف نظر العلماء في المراد بذلك كما سيأتي. قوله: (ويذكر عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) أي مثل لفظ هذه الترجمة، وهو طرف من حديث أخرجه أبو داود وأحمد والترمذي والحاكم وغيرهم من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عنه موصولا، وسفيان بن حسين ضعيف في الزهري، وقد خالفه من هو أحفظ منه في الزهري فأخرجه الحاكم من طريق يونس بن يزيد عن الزهري وقال: إن فيه تقوية لرواية سفيان بن حسين لأنه قال عن الزهري " قال أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها " فذكر الحديث ولم يقل إن ابن عمر حدثه به، ولهذه العلة لم يجزم به البخاري، لكن أورده شاهدا لحديث أنس الذي وصله البخاري في الباب ولفظه " ولا يجمع بين متفرق " بتقديم التاء أيضا وزاد " خشية الصدقة " واختلف في المراد بالخشية كما سنذكره، وفي الباب عن علي عند أصحاب السنن وعن سويد بن غفلة قال " أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم فقرأت في عهده " فذكر مثله أخرجه النسائي، وعن سعد بن أبي وقاص أخرجه البيهقي. قال مالك في الموطأ: معنى هذا الحديث أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيها الزكاة فيجمعونها حتى لا تجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة، أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاتان فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد إلا شاة واحدة. وقال الشافعي: هو خطاب لرب المال من جهة وللساعي من جهة، فأمر كل واحد منهم أن لا يحدث شيئا من الجمع والتفريق خشية الصدقة، فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع أو يفرق لتقل، والساعي يخشى أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر، فمعنى قوله خشية الصدقة أي خشية أن تكثر الصدقة أو خشية أن تقل الصدقة، فلما كان محتملا للأمرين لم يكن الحمل على أحدهما بأولى من الآخر، فحمل عليهما معا، لكن الذي يظهر أن حمله على المالك أظهر والله أعلم. واستدل به على أن من كان عنده دون النصاب من الفضة ودون النصاب من الذهب مثلا أنه لا يجب ضم بعضه إلى بعض حتى يصير نصابا كاملا فتجب فيه الزكاة خلافا لمن قال يضم على الأجزاء كالمالكية أو على القيم كالحنفية، واستدل به لأحمد على أن من كان له ماشية ببلد لا تبلغ النصاب كعشرين شاة مثلا بالكوفة ومثلها بالبصرة أنها لا تضم باعتبار كونها ملك رجل واحد وتؤخذ منها الزكاة لبلوغها النصاب قاله ابن المنذر، وخالفه الجمهور فقالوا: يجمع على صاحب المال أموال ولو كانت في بلدان شتى ويخرج منها الزكاة. واستدل به على إبطال الحيل والعمل على المقاصد المدلول عليها بالقرائن، وأن زكاة العين لا تسقط بالهبة مثلا. والله أعلم. *3* وَقَالَ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ إِذَا عَلِمَ الْخَلِيطَانِ أَمْوَالَهُمَا فَلَا يُجْمَعُ مَالُهُمَا وَقَالَ سُفْيَانُ لَا يَجِبُ حَتَّى يَتِمَّ لِهَذَا أَرْبَعُونَ شَاةً وَلِهَذَا أَرْبَعُونَ شَاةً الشرح: قوله: (باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) اختلف في المراد بالخليط كما سيأتي، فعند أبي حنيفة أنه الشريك قال: ولا يجب على أحد منهم فيما يملك إلا مثل الذي كان يحب عليه لو لم يكن خلط، وتعقبه ابن جرير بأنه لو كان تفريقها مثل جمعها في الحكم لبطلت فائدة الحديث. وإنما نهى عن أمر لو فعله كانت فيه فائدة قبل النهي، ولو كان كما قال لما كان لتراجع الخليطين بينهما بالسوية معنى. قوله: (يتراجعان) قال الخطابي: معناه أن يكون بينهما أربعون شاة مثلا لكل واحد منهما عشرون قد عرف كل منهما عين ماله فيأخذ المصدق من أحدهما شاة فيرجع المأخوذ من ماله على خليطه بقيمة نصف شاة، وهذه تسمى خلطة الجوار. قوله: (وقال طاوس وعطاء إلخ) هذا التعليق وصله أبو عبيد في " كتاب الأموال " قال " حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن طاوس قال: إذا كان الخليطان يعلمان أموالهما لم يجمع مالهما في الصدقة، قال - يعني ابن جريج - فذكرته لعطاء فقال: ما أراه إلا حقا وهكذا رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن شيخه. وقال أيضا عن ابن جريج " قلت لعطاء: ناس " خلطاء لهم أربعون شاة؟ قال: عليهم شاة. قلت: فلواحد تسعة وثلاثون شاة ولآخر شاة؟ قال: عليهما شاة". قوله: (وقال سفيان لا تجب حتى يتم لهذا أربعون شاة ولهذا أربعون شاة) قال عبد الرزاق عن الثوري " قولنا لا يجب على الخليطين شيء إلا أن يتم لهذا أربعون ولهذا أربعون " انتهى، وبهذا قال مالك. وقال الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث: إذا بلغت ماشيتهما النصاب زكيا، والخلطة عندهم أن يجتمعا في المسرح والمبيت والحوض والفحل، والشركة أخص منها. وفي " جامع سفيان الثوري " عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر " ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية". قلت لعبيد الله: ما يعني بالخليطين؟ قال: إذا كان المراح واحدا والراعي واحدا والدلو واحدا. ثم أورد المصنف طرفا من حديث أنس المذكور وفيه لفظ الترجمة. واختلف في المراد بالخليط، فقال أبو حنيفة هو الشريك، واعترض عليه بأن الشريك قد لا يعرف عين ماله وقد قال إنهما يتراجعان بينهما بالسوية، ومما يدل على أن الخليط لا يستلزم أن يكون شريكا قوله تعالى: اختلف في المراد بالخليط، فقال أبو حنيفة هو الشريك، واعترض عليه بأن الشريك قد لا يعرف عين ماله وقد قال إنهما يتراجعان بينهما بالسوية، ومما يدل على أن الخليط لا يستلزم أن يكون شريكا قوله تعالى: الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ الشرح: قوله: (باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) اختلف في المراد بالخليط كما سيأتي، فعند أبي حنيفة أنه الشريك قال: ولا يجب على أحد منهم فيما يملك إلا مثل الذي كان يحب عليه لو لم يكن خلط، وتعقبه ابن جرير بأنه لو كان تفريقها مثل جمعها في الحكم لبطلت فائدة الحديث. وإنما نهى عن أمر لو فعله كانت فيه فائدة قبل النهي، ولو كان كما قال لما كان لتراجع الخليطين بينهما بالسوية معنى. قوله: (يتراجعان) قال الخطابي: معناه أن يكون بينهما أربعون شاة مثلا لكل واحد منهما عشرون قد عرف كل منهما عين ماله فيأخذ المصدق من أحدهما شاة فيرجع المأخوذ من ماله على خليطه بقيمة نصف شاة، وهذه تسمى خلطة الجوار. قوله: (وقال طاوس وعطاء إلخ) هذا التعليق وصله أبو عبيد في " كتاب الأموال " قال " حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن طاوس قال: إذا كان الخليطان يعلمان أموالهما لم يجمع مالهما في الصدقة، قال - يعني ابن جريج - فذكرته لعطاء فقال: ما أراه إلا حقا وهكذا رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن شيخه. وقال أيضا عن ابن جريج " قلت لعطاء: ناس " خلطاء لهم أربعون شاة؟ قال: عليهم شاة. قلت: فلواحد تسعة وثلاثون شاة ولآخر شاة؟ قال: عليهما شاة". قوله: (وقال سفيان لا تجب حتى يتم لهذا أربعون شاة ولهذا أربعون شاة) قال عبد الرزاق عن الثوري " قولنا لا يجب على الخليطين شيء إلا أن يتم لهذا أربعون ولهذا أربعون " انتهى، وبهذا قال مالك. وقال الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث: إذا بلغت ماشيتهما النصاب زكيا، والخلطة عندهم أن يجتمعا في المسرح والمبيت والحوض والفحل، والشركة أخص منها. وفي " جامع سفيان الثوري " عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر " ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية". قلت لعبيد الله: ما يعني بالخليطين؟ قال: إذا كان المراح واحدا والراعي واحدا والدلو واحدا. ثم أورد المصنف طرفا من حديث أنس المذكور وفيه لفظ الترجمة. واختلف في المراد بالخليط، فقال أبو حنيفة هو الشريك، واعترض عليه بأن الشريك قد لا يعرف عين ماله وقد قال إنهما يتراجعان بينهما بالسوية، ومما يدل على أن الخليط لا يستلزم أن يكون شريكا قوله تعالى: اختلف في المراد بالخليط، فقال أبو حنيفة هو الشريك، واعترض عليه بأن الشريك قد لا يعرف عين ماله وقد قال إنهما يتراجعان بينهما بالسوية، ومما يدل على أن الخليط لا يستلزم أن يكون شريكا قوله تعالى: ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (باب زكاة الإبل) سقط لفظ " باب " من رواية الكشميهني والحموي. قوله: (ذكره أبو بكر وأبو ذر وأبو هريرة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم) أما حديث أبي بكر فقد ذكره مطولا كما سيأتي بعد باب من رواية أنس عنه، ولأبي بكر حديث آخر تقدم أيضا فيما يتعلق بقتال مانعي الزكاة. وأما حديث أبي ذر فسيأتي بعد ستة أبواب من رواية المعرور بن سويد عنه في وعيد من لا يؤدي زكاة أبله وغيرها ويأتي منه حديث أبي هريرة أيضا في ذلك إن شاء الله تعالى. ثم ذكر المصنف حديث الأعرابي الذي سأل عن شأن الهجرة، وموضع الحاجة منه قوله " فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟ قال. نعم " وسيأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب الهجرة إن شاء الله تعالى. قال الزين بن المنير: في هذه الأحاديث أحكام متعددة تتعلق بهذه الترجمة، منها إيجاب الزكاة، والتسوية بينها وبين الصلاة في قتال مانعيها حتى لو منعوا عقالا وهو الذي تربط به الإبل، وتسميتها فريضة وذلك أعلى الواجبات وتوعد من لم يؤدها بالعقوبة في الدار الآخرة كما في حديثي أبي ذر وأبي هريرة. وفي حديث أبي سعيد فضل أداء زكاة الإبل، ومعادلة إخراج حق الله منها لفضل الهجرة، فإن في الحديث إشارة إلى أن استقراره بوطنه إذا أدى زكاة إبله يقوم له مقام ثواب هجرته وإقامته بالمدينة. *3* الشرح: قوله: (باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده) أورد فيه طرفا من حديث أنس المذكور، وليس فيه ما ترجم به، وقد أورد الحكم الذي ترجم به في " باب العرض في الزكاة " وحذفه هنا، فقال ابن بطال: هذه غفلة منه. وتعقبه ابن رشيد وقال: بل هي غفلة ممن ظن به الغفلة، وإنما مقصده أن يستدل على من بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده هي ولا ابن لبون لكن عنده مثلا حقة وهي أرفع من بنت مخاض لأن بينهما بنت لبون، وقد تقرر أن بين بنت اللبون وبنت المخاض عشرين درهما أو شاتين، وكذلك سائر ما وقع ذكره في الحديث من سن يزيد أو ينقص إنما ذكر فيه ما يليها لا ما يقع بينهما بتفاوت درجة، فأشار البخاري إلى أنه يستنبط من الزائد والناقص والمنفصل ما يكون منفصلا بحساب ذلك. فعلى هذا من بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده إلا حقة أن يرد عليه المصدق أربعين درهما أو أربع شياه جبرانا أو بالعكس، فلو ذكر اللفظ الذي ترجم به لما أفهم هذا الغرض، فتدبره انتهى. قال الزين بن المنير: من أمعن النظر في تراجم هذا الكتاب وما أودعه فيها من أسرار المقاصد استبعد أن يغفل أو يهمل أو يضع لفظا بغير معنى أو يرسم في الباب خبرا يكون غيره به أقعد وأولى، وإنما قصد بذكر ما لم يترجم به أن يقرر أن المفقود إذا وجد الأكمل منه أو الأنقص شرع الجبران كما شرع ذلك فيما تضمنه هذا الخبر من ذكر الأسنان فإنه لا فرق بين فقد بنت المخاض ووجود الأكمل منها. قال: ولو جعل العمدة في هذا الباب الخبر المشتمل على ذكر فقد بنت المخاض لكان نصا في الترجمة ظاهرا، فلما تركه واستدل بنظيره أفهم ما ذكرناه من الإلحاق بنفي الفرق وتسويته بين فقد بنت المخاض ووجود الأكمل منها وبين فقد الحقة ووجود الأكمل منها. والله أعلم. الشرح: قوله: (باب زكاة الغنم) قال الزين بن المنير: حذف وصف الغنم بالسائمة وهو ثابت في الخبر، إما لأنه لم يعتبر هذا المفهوم أو لتردده من جهة تعارض وجوه النظر فيه عنده، وهي مسألة خلافية شهيرة، والراجح في مفهوم الصفة أنها إن كانت تناسب الحكم مناسبة العلة لمعلولها اعتبرت وإلا فلا، ولا شك أن السوم يشعر بخفة المؤونة ودرء المشقة بخلاف العلف فالراجح اعتباره هنا والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ فَمَنْ سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنْ الْغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ إِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ يَعْنِي سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنْ الْإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثِ مِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِ مِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا الشرح: قوله: (حدثني ثمامة) هو عم الراوي عنه لأنه عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك، وهذا الإسناد مسلسل بالبصريين من آل أنس بن مالك. وعبد الله بن المثنى اختلف فيه قول ابن معين فقال مرة: صالح، ومرة: ليس بشيء. وقواه أبو زرعة وأبو حاتم والعجلي. وأما النسائي فقال: ليس بالقوي. وقال العقيلي: لا يتابع في أكثر حديثه انتهى. وقد تابعه على حديثه هذا حماد بن سلمة فرواه عن ثمامة أنه أعطاه كتابا زعم أن أبا بكر كتبه لأنس وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه مصدقا فذكر الحديث، هكذا أخرجه أبو داود عن أبي سلمة عنه، ورواه أحمد في مسنده قال " حدثنا أبو كامل حدثنا حماد قال أخذت هذا الكتاب من ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس أن أبا بكر " فذكره. وقال إسحاق بن راهويه في مسنده " أخبرنا النضر بن شميل حدثنا حماد بن سلمة أخذنا هذا الكتاب من ثمامة يحدثه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم " فذكره. فوضح أن حمادا سمعه من ثمامة وأقرأه الكتاب فانتفى تعليل من أعله بكونه مكاتبة، وانتفى تعليل من أعله بكون عبد الله بن المثنى لم يتابع عليه. قوله: (أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين) أي عاملا عليها، وهي اسم لإقليم مشهور يشتمل على مدن معروفة قاعدتها هجر، وهكذا ينطق به بلفظ التثنية والنسبة إليه بحراني. قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم هذه) قال الماوردي يستدل به على إثبات البسملة في ابتداء الكتب وعلى أن الابتداء بالحمد ليس بشرط. قوله: (هذه فريضة الصدقة) أي نسخة فريضة فحذف المضاف للعلم به، وفيه أن اسم الصدقة يقع على الزكاة خلافا لمن منع ذلك من الحنفية. قوله: (التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين) ظاهر في رفع الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنه ليس موقوفا على أبي بكر، وقد صرح برفعه في رواية إسحاق المقدم ذكرها. ومعنى " فرض " هنا أوجب أو شرع يعني يأمر الله تعالى، وقيل معناه قدر لأن إيجابها ثابت في الكتاب ففرض النبي صلى الله عليه وسلم لها بيانه للمجمل من الكتاب بتقدير الأنواع والأجناس. وأصل الفرض قطع الشيء الصلب ثم استعمل في التقدير لكونه مقتطعا من الشيء الذي يقدر منه، ويرد بمعنى البيان كقوله تعالى ووقع استعمال الفرض بمعنى اللزوم حتى كاد يغلب عليه وهو لا يخرج أيضا عن معنى التقدير، وقد قال الراغب: كل شيء ورد في القرآن فرض على فلان فهو بمعنى الإلزام، وكل شيء فرض له فهو بمعنى لم يحرمه عليه. وذكر أن معنى قوله تعالى وتفريق الحنفية بين الفرض والواجب باعتبار ما يثبتان به لا مشاحة فيه، وإنما النزع في حمل ما ورد من الأحاديث الصحيحة على ذلك لأن اللفظ السابق لا يحمل على الاصطلاح الحادث والله أعلم. قوله: (على المسلمين) استدل به على أن الكافر ليس مخاطبا بذلك، وتعقب بأن المراد بذلك كونها لا تصح منه، لا أنه لا يعاقب عليها وهو محل النزاع. قوله: (والتي أمر الله بها رسوله) كذا في كثير من نسخ البخاري، ووقع في كثير منها بحذف " بها " وأنكرها النووي في شرح المهذب، ووقع في رواية أبي داود المقدم ذكرها " التي أمر " بغير واو على أنها بدل من الأولى. قوله: (فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها) أي على هذه الكيفية المبينة في هذا الحديث. وفيه دلالة على دفع الأموال الظاهرة إلى الإمام. قوله: (ومن سئل فوقها فلا يعط) أي من سئل زائدا على ذلك في سن أو عدد فله المنع. ونقل الرافعي الاتفاق على ترجيحه. وقيل معناه فليمنع الساعي وليتول هو إخراجه بنفسه أو بساع آخر فإن الساعي الذي، طلب الزيادة يكون بذلك متعديا وشرطه أن يكون أمينا، لكن محل هذا إذا طلب الزيادة بغير تأويل. قوله: (في كل أربع وعشرين من الإبل فما دونها) أي إلى خمس. قوله: (من الغنم) كذا للأكثر. وفي رواية ابن السكن بإسقاط " من " وصوبها بعضهم. وقال عياض: من أثبتها فمعناه زكاتها أي الإبل من الغنم، و " من " للبيان لا للتبعيض. ومن حذفها فالغنم مبتدأ والخبر مضمر في قوله " في كل أربع وعشرين " وما بعده، وإنما قدم الخبر لأن الغرض بيان المقادير التي تجب فيها الزكاة، والزكاة إنما تجب بعد وجود النصاب فحسن التقديم، واستدل به على تعين إخراج الغنم في مثل ذلك وهو قول مالك وأحمد، فلو أخرج بعيرا عن الأربع والعشرين لم يجزه. وقال الشافعي والجمهور: يجزئه لأنه يجزئ عن خمس وعشرين، فما دونها أولى. ولأن الأصل أن يجب من جنس المال، وإنما عدل عنه رفقا بالمالك، فإذا رجع باختياره إلى الأصل أجزأه، فإن كانت قيمة البعير مثلا دون قيمة أربع شياه ففيه خلاف عند الشافعية وغيرهم، والأقيس أنه لا يجزئ، واستدل بقوله " في كل أربع وعشرين " على أن الأربع مأخوذة عن الجمع وإن كانت الأربع الزائدة على العشرين وقصا وهو قول الشافعي في البويطي. وقال في غيره: إنه عفو. ويظهر أثر الخلاف فيمن له مثلا تسع من الإبل فتلف منها أربعة بعد الحول وقبل التمكن حيث قلنا إنه شرط في الوجوب وجبت عليه شاة بلا خلاف، وكذا إن قلنا التمكن شرط في الضمان وقلنا الوقص عفو، وإن قلنا يتعلق به الفرض وجب خمسة أتساع شاة، والأول قول الجمهور كما نقله ابن المنذر، وعن مالك رواية كالأول. (تنبيه) : الوقص بفتح الواو والقاف ويجوز إسكانها وبالسين المهملة بدل الصاد: هو ما بين الفرضين عند الجمهور، واستعمله الشافعي فيما دون النصاب الأول أيضا والله أعلم. قوله: (فإذا بلغت خمسا وعشرين) فيه أن في هذا القدر بنت مخاض، وهو قول الجمهور إلا ما جاء عن علي أن في خمس وعشرين خمس شياه فإذا صارت ستا وعشرين كان فيها بنت مخاض أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عنه موقوفا ومرفوعا وإسناد المرفوع ضعيف. قوله: (إلى خمس وثلاثين) استدل به على أنه لا يجب فيما بين العددين شيء غير بنت مخاض، خلافا لمن قال كالحنفية تستأنف الفريضة فيجب في كل خمس من الإبل شاة مضافة إلى بنت المخاض. قوله: (ففيها بنت مخاض أنثى) زاد حماد بن سلمة في روايته فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر، وقوله أنثى وكذا قوله ذكر للتأكيد أو لتنبيه رب المال ليطيب نفسا بالزيادة، وقيل احترز بذلك من الخنثى وفيه بعد. وبنت المخاض بفتح الميم والمعجمة الخفيفة وآخره معجمة هي التي أتى عليها حول ودخلت في الثاني وحملت أمها، والماخض الحامل، أي دخل وقت حملها وإن لم تحمل. وابن اللبون الذي دخل في ثالث سنة فصارت أمه لبونا بوضع الحمل. قوله: (إلى خمس وأربعين) إلى الغاية وهو يقتضي أن ما قبل الغاية يشتمل عليه الحكم المقصود بيانه بخلاف ما بعدها فلا يدخل إلا بدليل، وقد دخلت هنا بدليل قوله بعد ذلك " فإذا بلغت ستا وأربعين " فعلم أن حكمها حكم ما قبلها. قوله: (حقة طروقة الجمل) حقة بكسر المهملة وتشديد القاف والجمع حقاق بالكسر والتخفيف، وطروقة بفتح أوله أي مطروقة وهي فعولة بمعنى مفعولة كحلوبة بمعنى محلوبة، والمراد أنها بلغت أن يطرقها الفحل، وهي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة. قوله: (جذعة) بفتح الجيم والمعجمة وهي التي أتت عليها أربع ودخلت في الخامسة. قوله: (فإذا بلغت يعني ستا وسبعين) كذا في الأصل بزيادة يعني، وكأن العدد حذف من الأصل اكتفاء بدلالة الكلام عليه فذكره بعض رواته وأتى بلفظ يعني لينبه على أنه مزيد، أو شك أحد رواته فيه. وقد ثبت بغير لفظ " يعني " في رواية الإسماعيلي من طريق أخرى عن الأنصاري شيخ البخاري فيه فيحتمل أن يكون الشك فيه من البخاري، وقد وقع في رواية حماد بن سلمة بإثباته أيضا. قوله: (فإذا زادت على عشرين ومائة) أي واحدة فصاعدا، وهذا قول الجمهور. وعن الإصطخري من الشافعية تجب ثلاث بنات لبون لزيادة بعض واحدة لصدق الزيادة، وتتصور المسألة في الشركة، ويرده ما في كتاب عمر المذكور " إذا كان إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة " ومقتضاه أن ما زاد على ذلك فزكاته بالإبل خاصة، وعن أبي حنيفة إذا زادت على عشرين ومائة رجعت إلى فريضة الغنم فيكون في خمس وعشرين ومائة ثلاث بنات لبون وشاة. قوله: (فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة وفي صدقة الغنم إلخ) . (تنبيه) : اقتطع البخاري من بين هاتين الجملتين قوله " ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة. إلى آخر ما ذكره في الباب الذي قبله وقد ذكر آخره في " باب العرض في الزكاة " وزاد بعد قوله فيه: يقبل منه بنت مخاض ويعطي معها عشرين درهما أو شاتين " فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شيء " وهذا الحكم متفق عليه، فلو لم يجد واحدا منهما فله أن يشتري أيهما شاء على الأصح عند الشافعية، وقيل يتعين شراء بنت مخاض وهو قول مالك وأحمد، وقوله "ويعطي معها عشرين درهما أو شاتين " هو قول الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث. وعن الثوري " عشرة " وهي رواية عن إسحاق، وعن مالك يلزم رب المال بشراء ذلك السن بغير جبران، قال الخطابي: يشبه أن يكون الشارع جعل الشاتين أو العشرين درهما تقديرا في الجبران لئلا يكل الأمر إلى اجتهاد الساعي لأنه يأخذها على المياه حيث لا حاكم ولا مقوم غالبا، فضبطه بشيء يرفع التنازع كالصاع في المصراة والغرة في الجنين والله أعلم. وبين هاتين الجملتين قوله " وفي صدقة الغنم " وسيأتي التنبيه على ما حذفه منه أيضا في موضع آخر قريبا. قوله: (إذا كانت) في رواية الكشميهني " إذا بلغت". قوله: (فإذا زادت على عشرين ومائة) في كتاب عمر " فإذا كانت إحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين ففيها شاتان " وقد تقدم قول الإصطخري في ذلك والتعقيب عليه. قوله: (فإذا زادت على ثلثمائة ففي كل مائة شاة) مقتضاه أنه لا تجب الشاة الرابعة حتى توفي أربعمائة وهو قول الجمهور، قالوا فائدة ذكر الثلثمائة لبيان النصاب الذي بعده لكون ما قبله مختلفا، وعن بعض الكوفيين كالحسن بن صالح ورواية عن أحمد إذا زادت على الثلثمائة واحدة وجب الأربع. قوله: (ففي كل مائة شاة شاة فإذا كانت سائمة الرجل) . (تنبيه) : اقتطع البخاري أيضا من بين هاتين الجملتين قوله " ولا يخرج في الصدقة هرمة " إلى آخر ما ذكره في الباب الذي يليه، واقتطع منه أيضا قوله " ولا يجمع بين متفرق " إلى آخر ما ذكره في بابه، وكذا قوله " ومن كان من خليطين " إلى آخر ما ذكره في بابه، ويلي هذا قوله هنا " فإذا كانت سائمة الرجل " إلخ. وهذا حديث واحد يشتمل على هذه الأحكام التي فرقها المصنف في هذه الأبواب غير مراع للترتيب فيها بل بحسب ما ظهر له من مناسبة إيراد التراجم المذكورة. قوله: (وفي الرقة) بكسر الراء وتخفيف القاف الفضة الخالصة سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة، قيل أصلها الورق فحذفت الواو وعوضت الهاء، وقيل يطلق على الذهب والفضة بخلاف الورق فعلى هذا فقيل أن الأصل في زكاة النقدين نصاب الفضة، فإذا بلغ الذهب ما قيمته مائتا درهم فضة خالصة وجبت فيه الزكاة وهو ربع العشر، وهذا قول الزهري وخالفه الجمهور. قوله: (فإن لم تكن) أي الفضة (إلا تسعين ومائة) يوهم أنها إذا زادت على التسعين ومائة قبل بلوغ المائتين أن فيها صدقة، وليس كذلك، وإنما ذكر التسعين لأنه آخر عقد قبل المائة، والحساب إذا جاوز الآحاد كان تركيبه بالعقود كالعشرات والمئين والألوف، فذكر التسعين ليدل على أن لا صدقة فيما نقص عن المائتين، ويدل عليه قوله الماضي " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " قوله: (إلا أن يشاء ربها في المواضع الثلاثة) أي إلا أن يتبرع متطوعا. *3* الشرح: قوله: (باب لا يؤخذ في الصدقة هرمة - إلى قوله - ما شاء المصدق) اختلف في ضبطه فالأكثر على أنه بالتشديد والمراد المالك، وهذا اختيار أبي عبيد، وتقدير الحديث لا تؤخذ هرمة ولا ذات عيب أصلا، ولا يؤخذ التيس وهو فحل الغنم إلا برضا المالك لكونه يحتاج إليه، ففي أخذه بغير اختياره إضرار به والله أعلم. وعلى هذا فالاستثناء مختص بالثالث، ومنهم من ضبطه بتخفيف الصاد وهو الساعي وكأنه يشير بذلك إلى التقويض إليه في اجتهاده لكونه يجري مجرى الوكيل فلا يتصرف بغير المصلحة فيتقيد بما تقتضيه القواعد، وهذا قول الشافعي في البويطي ولفظه: ولا تؤخذ ذات عوار ولا تيس ولا هرمة إلا أن يرى المصدق أن ذلك أفضل للمساكين فيأخذه على النظر انتهى. وهذا أشبه بقاعدة الشافعي في تناول الاستثناء جميع ما ذكر قبله، فلو كانت الغنم كلها معيبة مثلا أو تيوسا أجزأه أن يخرج منها، وعن المالكية يلزم المالك أن يشتري شاه مجزئة تمسكا بظاهر هذا الحديث. وفي رواية أخرى عندهم كالأول. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ الصَّدَقَةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسٌ إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ الشرح: قوله: (هرمة) بفتح الهاء وكسر الراء: الكبيرة التي سقطت أسنانها. قوله: (ذات عوار) بفتح العين المهملة وبضمها أي معيبة، وقيل بالفتح العيب وبالضم العور، واختلف في ضبطها فالأكثر على أنه ما يثبت به الرد في البيع، وقيل ما يمنع الإجزاء في الأضحية، ويدخل في المعيب المريض والذكورة بالنسبة إلى الأنوثة والصغير سنا بالنسبة إلى سن أكبر منه. *3* الشرح: قوله: (باب أخذ العناق) بفتح المهملة، أورد فيه طرفا من قصة عمر مع أبي بكر في قتال مانعي الزكاة وفيه قوله " لو منعوني عناقا " وكأن البخاري أشار بهذه الترجمة السابقة إلى جواز أخذ الصغيرة من الغنم في الصدقة لأن الصغيرة لا عيب فيها سوى صغر السن فهي أولى أن نؤخذ من الهرمة إذا رأى الساعي ذلك، وهذا هو السر في اختيار لفظ الأخذ في الترجمة دون الإعطاء، وخالف في ذلك المالكية فقالوا معناه كانوا يؤدون عنها ما يلزم أداؤه. وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: لا يؤدي عنها إلا من غيرها، وقيل المراد بالعناق في هذا الحديث الجذعة من الغنم وهو خلاف الظاهر. والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ح وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ أَنَّ اللَّهَ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ الشرح: قوله في أثناء الإسناد (وقاله الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد إلخ) وصله الذهلي في " الزهريات " عن أبي صالح عن الليث، ولليث فيه إسناد من طريق أخرى ستأتي في كتاب المرتدين عن عقيل عن ابن شهاب. *3* الشرح: قوله: (لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة) هذه الترجمة مقيدة لمطلق الحديث لأن فيه " وتوق كرائم أموال الناس " بغير تقييد بالصدقة، وأموال الناس يستوي التوقي لها بين الكرائم وغيرها فقيدها في الترجمة بالصدقة وهو بين من سياق الحديث لأنه ورد في شأن الصدقة، والكرائم جمع كريمة يقال ناقة كريمة أي غزيرة اللبن، والمراد نفائس الأموال من أي صنف كان، وقيل له نفيس لأن نفس صاحبه تتعلق به وأصل الكريمة كثيرة الخير، وقيل للمال النفيس كريم لكثرة منفعته. وسيأتي الكلام على بقية الحديث قبيل أبواب زكاة الفطر إن شاء الله تعالى. *3* الشرح: قوله: (باب ليس فيما دون خمس ذود صدقة) الذود بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة. قال الزين بن المنير: أضاف خمس إلى ذود وهو مذكر لأنه يقع على المذكر والمؤنث، وأضافه إلى الجمح لأنه يقع على المفرد والجمع. وأما قول ابن قتيبة إنه يقع على الواحد فقط فلا يدفع ما نقله غيره أنه يقع على الجمع انتهى. والأكثر على أن الذود من الثلاثة إلى العشرة وأنه لا واحد له من لفظه. وقال أبو عبيد: من الثنتين إلى العشرة. قال: وهو يختص بالإناث. وقال سيبويه: تقول ثلاث ذود لأن الذود مؤنث وليس باسم كسر عليه مذكر. وقال القرطبي: أصله ذاد يذود إذا دفع شيئا فهو مصدر، وكأن من كان عنده دفع عن نفسه معرة الفقر وشدة الفاقة والحاجة. وقوله "من الإبل " بيان للذود. وأنكر ابن قتيبة أن يراد بالذود الجمع وقال: لا يصح أن يقال خمس ذود كما لا يصح أن يقال خمس ثوب. وغلطه العلماء في ذلك، لكن قال أبو حاتم السجستاني: تركوا القياس في الجمع فقالوا خمس ذود لخمس من الإبل كما قالوا ثلثمائة على غير قياس. قال القرطبي: وهذا صريح في أن الذود واحد في لفظه، والأشهر ما قاله المتقدمون إنه لا يقصر على الواحد. قال الزين بن المنير أيضا: هذه الترجمة تتعلق بزكاة الإبل، وإنما اقتطعها من ثم لأن الترجمة المتقدمة مسوقة للإيجاب وهذه للنفي فلذلك فصل بينهما بزكاة الغنم وتوابعه. كذا قال، ولا يخفى تكلفه والذي يظهر لي أن لها تعلقا بالغنم التي تعطي في الزكاة من جهة أن الواجب في الخمس شاة، وتعلقها بزكاة الإبل ظاهر فلها تعلق بهما كالتي قبلها. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ الشرح: قوله: (عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني) كذا وقع في رواية مالك، والمعروف أنه محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة نسب إلى جده ونسب جده إلى جده. قوله: (عن أبيه) كذا رواه مالك. وروى إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد هذا عن عمرو بن يحيى وعباد بن تميم كلاهما عن أبي سعيد. ونقل البيهقي عن محمد بن يحيى الذهلي أن محمدا سمعه من ثلاثة أنفس وأن الطريقين محفوظان. وقد سبق باقي الكلام على حديث الباب في " باب زكاة الورق".
|